ذكريات .. شهر الفضيل !!

 ذكريات .. شهر الفضيل !!  

 

ما أجمله من شهر .. وما أفضلها من أيام .. وما أبركها من ليالي .. أيام صيامٍ جميلة .. وليالي مباركةٍ فضيلة .. وطقوس عائلية مميزة .. تلك التي كنا نعيشها في الشهر الفضيل .. شهر رمضان المبارك .. لا أتكلم فقط عن ما مضى .. بل حتى عن وقتنا الحالي .. ونحن ننعم برغدٍ من العيش  ولله الحمد .. 

كثيراً ما تراودني الذكريات في شهر الصيام .. عن أحوالي فيه من سالف الأيام .. منذ كنت صغيرة حين كانت والدتي عليها رحمة الله .. تشجعني فيه على الصيام .. وحين كانت تحثني على قراءة القرآن .. وحين كنت أحب أن أمضي لياليه .. في اللعب مع بنات الجيران ..

كبرت في ذلك الحي الجميل .. وتغيرت الإهتمامات لاشك .. فأصبحتُ المُساعدة لوالدتي في تجهيز مائدة الإفطار البسيطة .. والتي كانت تحوي أحياناً أطباقاً مرسولة من الجيران .. وحين كنا نفعل هذا التبادل بيننا .. للتلذذ بما عندنا وعندهم .. وحين كانت تتم أيضاً الزيارات الليلية بين سيدات ذلك الحي الجميل .. بعد صلاة التراويح .. لتدور أحداث كل مساء في معظم منازل ذلك الحي العريق ..

 وحين شاءت إرادة الله لنا ترك ذلك الحي .. بإنتقالنا إلى حي المكرونة كما يُسمى سابقاً .. تغيرت جيرتنا ولكن لم تتغير عاداتنا .. حيث استمرت عادة تذوق الأطباق الرمضانية .. بالتبادل مع الجيران .. وحين كان الإستمتاع ينبعث من نفوسنا .. بالرضى عن كل شيء .. حياة بسيطة .. ونفوس راضية .. وسعادة بالغة بما نحن فيه ..

وفي إحدى أعوام ذلك الحي .. وخاصة في شهر رمضان ذاك .. كان الإستعداد على قدمٍ وساق .. ففي الشهر الذي يليه .. سيكون حفل الزفاف .. لذا كنت مُنشغلة كثيراً عن مساعدة والدتي عليها رحمة الله .. بل هم جميعهم كانوا منشغلين بي .. فأنا التي مُقبلة على حياةٍ جديدة .. بعد أن تم تخرجي من الجامعة في تلك الفترة .. نعم الكل كان يستعد لهذا الحدث السعيد .. 

قضيت أول شهر رمضان لي بعد الإرتباط بشريك حياتي في بيت الزوجية .. في بيتنا بحي المكرونة بين جيرةٍ رائعة بمعنى الكلمة .. كنت أقابل بعضاً منهم في مسجد ذلك الحي لآداء صلاة التروايح .. وقد تجمعني مع بعضاً منهم زيارات خفيفة جداً في ليالي رمضان الأولى .. لأعتكف في منزلي في الليالي الأخيرة لذلك الشهر الفضيل .. ولأستعد كذلك للإستمتاع بأيام العيد السعيد ..   

وحين شاءت إرادة الله لنا .. أن تنتقل أسرتنا الصغيرة إلى ذلك السكن في جامعة المؤسس .. سكن أعضاء هيئة التدريس .. والذي قضيت فيه أجمل سنوات عمري في العطاء والإنجاز .. وقد مرت عليَ فيه شهور رمضانية عديدة .. وكانت أيامي فيها ولله الحمد جداً سعيدة .. رغم تعدد المسؤوليات .. وزيادة الواجبات .. والإنهماك في الطاعات .. إلا أن شهر رمضان .. فيه بركة عجيبة سبحان الله ..

كانت جيرتي للبعض جداً رائعة .. فنحن على وصالٍ واتصالٍ دائم .. وفي رمضان يجمعنا ذاك المسجد القريب جداً من تلك الشقة العلوية .. ذلك الذي تقام فيه صلاة التراويح .. حين نسارع للمنافسة على الصف الأول .. في القسم الخاص بالنساء لاشك .. بحثاً عن الهدوء والسكينة والتدبر في آيات كتاب الله .. عدا ما يتم بيننا من تبادل للأطباق الرمضانية الشهيرة .. متمنين لبعضنا صياماً مقبولاً .. وأجراً مكتوباً .. وسعادة وصحة دائمة لا تزول .. أما لصلاة التهجد فإني أذهب ماشيةً إلى المسجد الآخر .. والذي يبعد قليلاً عن شقة الدور الثالث .. يحثنا طلب الأجر من ربٍ واسعٍ كريم .. غافر الذنوب ومسهل الدروب ..

ومهما طال الزمان بنا في مكان ما .. فإن للرحيل دوماً آوان .. وفي ذلك العام فقد حان .. نعم وجب الرحيل من ذلك السكن .. إلى منزلنا الخاص في حي المرجان .. وبدأت هنا ذكريات جديدة لشهر رمضان .. نسأل الله العمر المديد .. والعمل النافع المفيد .. هي حياةٌ لا تختلف عن سابقتها .. عدا تغير المكان والجيران .. لكن عاداتنا هي ذات العادات .. ومحافظتنا على التراويح والصلوات .. والمدوامة على صلة القربى بالزيارات .. اللهم تقبل منَا صيامنا وقيامنا .. وسائر أعمالنا .. واجعلنا من عتقاء هذا الشهر الفضيل ..