زيارة جدتي .. التي لا تنسى
كانت جدتي "والدة أمي" يرحمهمُ الله .. تأتي أحياناً من الديرة .. لتقيم أياماً في دار السيد "فلان" .. قبل أن تأتي لزيارتنا .. والذي يبعدْ عن بيتنا مسافة ليست بالبسيطة .. وكانوا بنات السيد صاحبات لنا أنا وأختي .. وإذا قدمتْ جدتي لمدينة جدة .. فإنها تنزل عندهم .. ونحن نعلم بحضورها منهم .. ونظل على إنتظار قدومها لنا .. شوقاً لمقابلتها .. فنحن نُحبها كثيراً .. وهي كذلك تُبادلنا نفس الشعور .. رحم الله جدتي .. وأسكنها فسيح جناته ..
وذات مره .. وكنا حينها في السنوات الأولى لنا بالمدرسة .. لا أذكر تحديداً في أي مرحلة .. أخبرونا بنات السيد .. أن جدتي قدمت من الديرة .. ليلة أمس .. وهي عندهم .. وشجعونا كثيراً لزيارتها .. وأن نخرج معهم من المدرسة .. وبسيارتهم إلى بيتهم .. كي نزور جدتي .. وبعد إلحاح وافقنا على ذلك .. وكان لهم ما أرادوا .. وليته لم يكن ..
حين قدم أبي يرحمه الله إلى المدرسة .. كي يأخذنا إلى البيت .. طال انتظاره دون فائدة .. فنحنُ غادرنا المدرسة قبل مجيئه .. انتظر أبي حتى فرغت المدرسة من الطالبات .. ونحنُ لم نخرج .. والمؤكد أنه عاد إلى البيت .. حائراً في أمره ماذا يفعل .. وكي يُخبر أمي بالمصيبة .. وهي أن بناته .. غير موجودات في المدرسة ..
في تلك الأثناء .. كنا نحن في بيت السيد .. نلعب ونلهو مع البنات .. بعد أن سلمنا على جدتي .. والتي أنبسطتْ لشوفتنا كثيراً .. ولكنها تساءلتْ .. هل أهلكم عارفين عنكم ؟؟ .. فأجبناها بالنفي .. غضبتْ واحتارتْ .. ولكن ماذا تفعلْ !! ..
في الجهة الأخرى من الرويس .. وفي حارة البحارة بالذات .. وفي منزلنا تحديداً .. كان القلقْ قد بلغ أقصاه .. والتخمينْ في مكاننا .. قد تجاوز مداه .. حتى قالت أمي .. ربما البنات ذهبن إلى بيت السيد .. لعل أمي قدمتْ من الديرة .. وعرفوا البنات بوجودها فذهبوا لها .. لم يردْ أبي على ما قالته أمي بكلمة .. بل خرج مُسرعاً من البيت .. قاصداً بيت السيد مشياً على الأقدام .. رغم بعد المسافة نوعاً ما .. وله في ذلك مقصدْ .. وقد حدث ما حدثْ ..
في المساء وفي بيت السيد .. وبعد أن أنهين اللعبْ مع رفيقاتنا .. دخلنا مع جدتي إلى حجرتها .. وكنا قد عقدنا العزمْ .. على الذهاب إلى المدرسة .. في اليوم التالي مع بنات السيد .. لذا قامتْ جدتي بغسل ملابسنا المدرسية .. بعد أن تناولنا عشاءنا .. وأخذنا وضعنا للنوم .. وماهي إلا دقائق .. حتى جاءنا الخبر .. أن أبي في الخارج يُريدنا .. ولكم أن تتخيلوا مقدار الرعبْ والخوفْ الذي أصابنا .. وعندها أدركنا حجم الخطأ .. الذي أقترفناه ..
لم يكنْ أمام جدتي حلْ .. إلا أن تُلبسنا ملابس المدرسة .. وهي مبلُولة .. كي نخرج مع أبي .. بعد أن سلمتْ عليه .. وطلبت منه مُسامحتنا .. ثم خرجنا مع والدي بكل إنكسار .. نرافقهُ المشي على أرجلنا .. وقد كان في غاية الغضبْ على سوء تصرفنا .. وقد كانتْ في يده خيزرانه رفيعة .. يضربْ بها ملابسنا المبلُولة .. مُحدثةً صوتاً عالياً .. أكثر بكثير من ألمها البسيط جداً .. كانت لسعات تأديبية .. أكثر من كونها عقاباً صارماً .. وعدنا للبيت بزفة جميلة لم تحدثْ لاحقاً .. وبالطبعْ قابلتنا أمي بالغضبْ الشديدْ أيضاً .. وبالحرمان من الذهاب للمدرسة ليوم غدْ .. وكان هذا أقصى عقابْ تلقيناه .. في عمرنا ذاك ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق