5/06/2021

سباق البيزان .. للخزان

 سباق البيزان .. للخزان 




كانتْ حياتنا في الرويس مُمتعةٌ لي في كل تفاصيلها .. وبالذاتْ حين كنت أقوم بمهام .. لا تقوم بها البنات عادة .. منها مثلاً إحضار الماء في صهريج مُلون من البيزان .. يحملهُ حمارٌ صبور .. يقودهُ رجلٌ محنكٌ خبير .. 



كان ذلك البيزان .. الذي أحبْ الذهاب إليه .. يقعْ قريبًا من حارة الحفيرة .. ومُقابلاً نوعًا ما لقصر الشربتلي في حي الرويس .. وهي ليستْ بالمسافة البسيطة .. غير أنني كنت أحبْ هذه المُهمة كثيرًا .. وأحاربْ من أجلها أكثر وأكثر .. ورغم أني كنت أذهبْ إليها ماشيةً على قدمي .. لكني كنت أعودُ محمولة .. إما على ظهر الحمار الغلبان .. أو الصهريج زاهي الألوان .. وغالبًا ما أكونْ على الأخير.. ونسيرُ جميعنا .. مصحوبين بأهازيج تشجيعية .. يؤديها قائد الرحلة بحبٍ ومزاج .. طفولةٌ و شقاوةٌ و براءةٌ مني .. وحسن نية وطيبة من صاحب الحمار..



كانت أمي يرحمها الله .. تعلمُ جيدًا أني أحبْ الذهاب لإحضار الماء .. لكوني أجدها مُسلية جدًا لي .. وأعتبر أن في تلك المُهمة .. تحقيق إنجازٌ مُتميز لأسرتي .. فحين يسألونْ من أحضر الماء من البيزان ؟ .. فأجيبهم بكل فخرٍ واعتزاز .. بأنني أنا التي قمتْ بالمهمة الأهمْ .. وهي إحضار الماء للبيت ..



ولقد كانتْ أمي حبيبتي يرحمها الله .. تُساومني في ذلك .. فإن أردتْ الذهاب لإحضار الماء من البيزان .. فعلي قبل ذلك أن أغسلْ الخزان .. وهو خزان الماء الأرضي العلوي .. وهو عبارة عن بناء مُستطيل .. يقعْ في زاوية المطبخ .. ويكون له فتحة ذات غطاء مُحكم في سقفه .. وهذه الفتحة العلوية .. تسمحْ بدخول طفل نحيل الجسم .. لذا كانت أمي تطلبْ مني غسل الخزان .. ومُتابعتي حتى يتم غسله جيدًا .. ثم تعملْ على تبخيره قليلاً .. كي يُصبحْ طعم الماء العذبْ .. مُستساغًا وشهيًا .. وأحيانًا كثيرة .. كانتْ أختي تقوم بغسل ذلك الخزان وتجهيزه .. في الفترة الزمنية التي قد تطول أحيانًا .. لأذهبْ فيها للبيزان .. كي أعود لأسرتي بالماء ..



وفي البيزان مُغامرات أخرى .. مُثيرة وخطيرة .. على طفلةٍ صغيرة .. حيثُ كنت أصطفْ في الطابور .. مع كل أولئك الذين يُريدون الماء .. وأنتظرْ وقتًا قد يكون طويلاً .. حتى يأتي دوري مع صهريجْ مُعين .. وكثيرًا ما كانت تلفتني ألوان كل صهريج .. وأتمنى أن يأتي دوري مع أحدها .. ويكون لكل صهريج منها .. حمارٌ غلبانٌ على أمره .. يحملهُ رغمًا عنه .. ويقوده ذلك الشخص العجُول .. الذي يضربهُ حينًا .. وينهرهُ أحيانًا أخرى .. صارخًا عليه بنغماتٍ معينة .. كي يُسرع كثيرًا في خطاه .. وليستطيعْ هذا الرجل أن يُتممْ أكثر من ردْ .. في جلبْ الماء للمنازلْ في الرويس..



لذا كان على كل من يأتي إلى البيزان .. وأنا منهم .. أن نسابقْ الزمن .. كي نأخذ دورًا مُتقدمًا عن البقية المُنتظرين .. ولقد كنتُ كثيرًا .. ما أفوز بالحصول على الماء سريعًا .. رأفةً من الآخرين علي لصغر سني .. وحرصًا منهم .. جزاهم الله خير .. على أن أعود سريعًا بالماء .. إلى بيت أهلي ..



وفي طريق عودتي .. أعودُ متباهيةٌ كثيرًا بما أنجزتْ .. لأنزل من فوق ذلك الصهريجْ بمساعدة كبيرة .. ثم لأتممْ بإتقان وحرص .. إفراغ مابه من ماء في خزان البيتْ النظيف .. حيث أدفعْ بذلك الليَ في فتحة في جدار البيت .. تؤدي مُباشرة إلى الخزان ومنها إلى فتحته العلوية .. وبمحاولات جادة لإتمام ذلك .. بدون أن يسكبْ شيء من الماء خارج الخزان .. وبذلك أكونْ قد أتممتْ المُهمة بنجاح .. بكل فخرٍ واعتزازْ وسعادةً غامرة ..



فإذا تم غسل وتبخير الخزان .. ومن تحقيق الدور الأول في الطابور .. ومن ثم إحضار صهريج الماء من البيزان .. بكل إنجاز جميل .. وتفريغه في الخزان .. بإتقان طفلة حريصة .. إذا تم كل ذلك .. بكل تفاصيله الدقيقة .. فإنه يعتبر أسعد يوم في حياتي .. وأجمل ذكرى خزنت ضمن ذكرياتي ..


هناك 3 تعليقات:

  1. ماشالله ومضات جميله اسعدك الله

    ردحذف
    الردود
    1. اللهم آمين للجميع يارب العالمين
      شكرًا لكم .. حقيقي الجميل هو قراءاتكم لها وتصفحكم في ذكرياتي .. اسأل الله لي ولكم دوام العطاء ووافر الصحة والعافية .. دمتم بخير💐

      حذف
  2. ذكريات جميلة وتحمل المسؤولية منذ الصغر حتى لو في ابسط الأمور يصنع شخصا مسؤولا

    ردحذف

ومضات .. تؤرخ مسيرة !!

  ومضات .. تؤرخ مسيرة !!     حين كانت ساعة ذلك القرار .. القرار الذي اتخذته عن اقتناع .. والذي قد يكون تفاجأ به الجميع من الزميلات .. ألا وه...