4/29/2021

على ضوء الإتريك

على ضوء الإتريك



رغم أن أبي يرحمهُ الله .. قد كان له منزله الخاص في حي الرويس .. والذي اشتراهُ بالتقسيط الممل .. ورغم أنه قد استطاع أن يُجري عليه بعض التحسينات اللازمة .. إلا أن هذا البيت المتواضع .. كان يفتقدْ إلى الكهرباء .. وبالتالي حياتنا فيه كانت أغلبُها نهارية .. وعندما يحلُ المساء علينا .. ضيفًا ثقيلاً .. كانت أمي يرحمها الله .. إما أن تضيءْ الفانوس .. أو تجهز الإتريك إذا لزم الأمر .. والذي يُعطي إنارة أقوى وأوسع ..



وكنتُ في سني الصغيرة تلك .. أقوم مع أختي بمعاونة الوالدة في تجهيز الإتريك .. حيثُ علي فقط تلميع الإتريك خارجيًا .. على فترات مُتباعدة .. أما أختي فإنها تقوم أحيانًا .. بتعبئة القاز في مكانه المُخصص له .. إنما غسل زجاجة الإتريك وتنشيفُها .. ونضم الفتيلة في مكانها وإشعاله .. فهذه جميعها من مهام والدتي يرحمها الله .. وكنا جميعنا كأسرة صغيرة .. نستفيد من ضوءه الذي ينتشر تقريبًا بصورة أفضل من إضاءة الفانوس .. ودائمًا يكون لهذا الإتريك مكان معين في البيت .. خوفًا عليه من الكسر والاشتعال .. مُعطيًا إنارة أوسع ويستفيد منه الجميع .. بينما الفانوس فيمكن حملهُ من مكان لآخر حسب الحاجة له .. ويُصاحب ذلك صُراخ من الجميع .. لكونه يقطع الأعمال التي نقوم بها على ضوئه .. ولصعوبة إتمامها بالطبع في الظلام ..



على ضوء هذا الإتريك .. كنا نجتمع كأسرة متفانية كل مساء .. أنا وأختي نكمل ما بدأناه من واجبات مدرسية .. وأمي تُمارس هواياتها إما في الخياطة على المكينة اليدوية .. أو بالتطريز بيديها في أشغال الأبرة .. وكلاً منّا مُستمتع بما يعمل .. خاصة بعد أن نكون .. قد تناولنا طعام العشاء البسيط .. ونظلْ كذلك في انهماكنا .. حتى يعود أبي مساءً مُنهكًا مُتعبًا .. باحثًا عن الهدوء والراحة والاستكنانْ .. في رحاب أسرته الصغيرة .. ولكن .. أنّى له ذلك .. فإنه يظلُ معنا .. مُستمعًا لكل حكاياتنا .. واستلام طلباتنا ليوم غد .. حتى يغلبهُ حبيبي يرحمهُ الله النعاس على فراشه .. رحم الله والدي وأسكنهُ فسيح جناته ..



لقد كان لهذا الإتريك ذكرياتٌ جميلة .. حيثُ كنا نتجاذبْ أطراف الحديث مع أمي .. من مُغامرات وحكايا مدرسية .. وعندما تقرر والدتي إطفاء نور الإتريك أو الفانوس .. يكون كلاً منّا قد جهز فراشه الأرضي للنومْ .. مُستلقيًا عليه ومُستمتعًا بحكايات أمي الرائعة .. والقصصْ التراثية التي ترويها لنا بسردها الجذابُ لها .. وفيها الكثير والمثير من الفوائد والنوادر .. الغريبْ أنها كانت ترويها لنا .. كل ليلة قبل النوم .. وكذلك لأخوتي من بعدي .. ونكادْ أن نكون جميعنا .. قد حفظناها كلها .. ولكن كنّا دائمًا نطلبْ إعادة سماعها .. فهي من والدتي يُرحمها الله .. لها مذاقٌ آخر مختلفٌ جدًا .. وإحساسْ أجمل لا يوازيه جمال .. رحم الله والدتي .. وعوضها الجنة ونعيمها ..



لقد كانتْ أيامُنا بسيطةٌ جدًا .. وجميلةٌ جدًا جدًا .. ومثيرةٌ في كل تفاصيلها .. وفي كل ساعاتها وثوانيها .. ولها ذكرياتٌ أجمل وأجمل .. تقبعْ في ذاكرتي .. مُتشبثةٌ بإصرار .. وأتمنى أن لا يطويها النسيانْ .. طالما أنا على قيد الحياة ..




هناك 3 تعليقات:

  1. قراءت المدونه ورجعت معها خمسين سنه إلى الوراء وأيام رحلت ولايمكن تعود وشكرا لك دكتور ناجيه لهذا السرد التاريخي الممتع

    ردحذف
  2. هو صحيح ليس بالإمكان أن تعود .. ولا نريد لها العودة لصعوبتها رغم عذوبتها .. وندعو الله أن تظل حياتنا مزدهرة .. لكن سردها وتذكرنا لنا .. هو بمثابة مداد لنا للبحث عن الأفضل في مستقبل أيامنا .. وأن كل نجاح لابد له من جهد مضاعف وكفاح مستمر لتحقيقه والمحافظة عليه .. دمتم سالمين يارب

    ردحذف
  3. للدكتوره ناجيه مع التحيه عرفناك بالامس من برنامج من الصفر وابهرتينا باسلوبك وروعتك ماعرفنا نقلب الشاشه واجمعنا انا وابنائي على حبك من النظرة الاولى شوفناكي انسانه طيبه ونظيفة وفيكي شي غريب كأنه سحر اسأل الله يسعدك ويدخل الفرحة على قلبك ويسخرلك اولادك ويسخرلك الخلق اجمعين ويفتح لك كل ابواب الخير يااااارب

    ردحذف

ومضات .. تؤرخ مسيرة !!

  ومضات .. تؤرخ مسيرة !!     حين كانت ساعة ذلك القرار .. القرار الذي اتخذته عن اقتناع .. والذي قد يكون تفاجأ به الجميع من الزميلات .. ألا وه...