4/08/2021

فضلاً .. اشربوا قهوتكم

 فضلاً .. اشربوا قهوتكم 



عشنا ولله الحمد حياة هانئة مستقرة في منزلنا بالرويس .. رغم قلة الموارد .. لكنها بالطبع في نظر والديي أفضل بكثير من البقاء في القرية .. حيث فرح والديي بانضمامنا إلى المدارس الحكومية .. وذلك بعد أن أمضت أمي ما يقارب العام أو أكثر في مشوارها الصباحي .. لمنزل أبله أمينة .. والعودة بنا قبل حلول المساء .. وكثيرًا ما كانت تتذكر ذلك المشوار .. وتدعو لأبله أمينة على مابذلته معنا اعترافًا منها بالفضل .. خاصة عندما نستذكر دروسنا حولها في المساء .. حيث تقضي أمي الفائض من وقتها يرحمها الله في الخياطة بالأبرة .. والتي كانت بارعة فيها كثيرًا .. منذ أن كانت في القرية ..



لم يُبدي والدي يرحمهُ الله أي امتعاض أو تعب من مشوارنا اليومي .. من وإلى المدرسة الإبتدائية الخامسة .. بل كان مُتحمسًا جدًا .. حيث يذهبُ بنا كل صباح .. بكل حب وروح جميلة .. كي يعود بنا في الظهيرة .. ورغم ذلك التعب وعلى الغداء .. يستمع لنا والديي باستمتاع .. عن أحداث اليوم الدراسي .. وقد نعود ونكرر هذه الحكايا مرة أخرى .. على مسامع أمي وهي تستمع لنا دون كلل أو ملل .. بل كانت تُشجعنا كثيرًا .. وتُوجهنا أكثر وأكثر .. حتى حدث مالم يكن في الحسبان ..



في مساء ذلك اليوم .. طرق باب المنزل أعيان سكان الحي .. راغبين بالتحدث مع أبي .. رحب الوالد بوجودهم .. رغم استغرابه من حضورهم جميعهم .. وبادر سريعًا بطلبه إعداد القهوة لهم .. ترحيبًا بهم .. وكنت أشاهدهم عن كثب .. وأنا مُستندة على باب تلك الغرفة الصغيرة .. والتي بدت مُزدحمة بهم .. صب لهم أبي فناجين القهوة وتناولوها بإيديهم .. لكنها لم تصل شفاههم .. فقد وضعوها على الأرض .. وقالوا له جميعًا .. لن نشرب قهوتك حتى تستجيب لطلبنا .. تُرى ماذا طلبوا !! ..



بادر أكبرهم سنًا بالتحدث وتقديم الطلب .. مع التأييد البادر من الجميع على كلامه .. وذلك بهز رؤوسهم .. عند كل فقرة يقولها الرجل .. لقد طلبوا من أبي عدم استمرار ذهاب بناته إلى المدرسة .. وأن هذا ليس من عاداتهم أن تذهب البنات للمدارس .. وأخذ أبي يسمع لهم مندهشًا ومطرقًا كل حواسه لكلامهم .. وأنا أرقبُ من بعيد .. وإذ بأبي يطلبُ منهم بصيغة لطيفة .. أن "أشربوا قهوتكم" ..  الله يحفظكم .. رغم رفضي التام لطلبكم .. لقد أوضح أبي لهم .. أنه وأمي قد حرصوا على تعليم بناتهم في الكتّاب .. عند أبله أمينة .. وذلك قبل بدء التعليم الحكومي للبنات .. والآن عندما أتيحت هذه الفرصة العظيمة يُخرج بناته من المدرسة !! .. فهذا بالطبع طلبٌ تستحيلُ إجابتهُ لهم ..



نعم لم يقبل أبي يرحمُه الله طلبهم .. وطبعًا لم يشربوا القهوة .. رغم تكرار والدي لهم الطلب .. باللين والرفق والإفهام .. بأهمية المدرسة للبنات .. وهو بين كل جملة وأخرى .. يقول "اشربوا قهوتكم" .. لكن هيهات هيهات .. فقد خرجوا غاضبين على تمرد أبي على الأعراف والتقاليد .. وعلى عدم تقديره لمجيئهم إليه ورفضه لطلبهم .. واستمر حالنا هذا مع الجيران .. ولم يُدركوا أهمية المدرسة للبنات .. إلا بعد مُضي ثلاث سنوات .. على انضمامنا كأول دفعة من البنات .. تُبادر بالتسجيل في المدارس الحكومية .. وبفضل أمي يرحمُها الله .. فقد كانت لنا مغامرةٌ أخرى في هذا المجال .. ستعرفونها لاحقًا ..



هناك تعليق واحد:

  1. القصه رهيبه وطريقة صياغتك خلتني اعيش اللحظه معاك

    ردحذف

ومضات .. تؤرخ مسيرة !!

  ومضات .. تؤرخ مسيرة !!     حين كانت ساعة ذلك القرار .. القرار الذي اتخذته عن اقتناع .. والذي قد يكون تفاجأ به الجميع من الزميلات .. ألا وه...