ابرة الخياطة .. والصرصار
من أجمل ذكريات السنة الأولى الإبتدائية .. في المدرسة الخامسة بالرويس .. هي اختبارات مادة العلوم والصحة .. وهو "الأسم السابق لمادة العلوم" .. فقد كانت اختبارات شفهية .. بحيث أستاذة المادة تنادي على كل طالبة بإسمها .. ثم تسألها سؤالاً شفهيًا .. فإن جاوبت عليه الطالبة .. فهي قد إجتازت الإختبار .. إما إذا صعُبت عليها الإجابة .. فإنها سوف تحملُها لاختبارات الدور الثاني ..
وفي ذلك اليوم الذي يستحيل نسيانُه .. أخذت الأستاذة كرسيًا وأسندتْ ظهرهُ على الحائط .. وأمامها طاولة صغيرة قد وضعت عليها دفترها .. وبيدها قلمًا جافًا تدونْ به درجات الصغيرات .. وكانت الأستاذة تنادي على الطالبات .. حسب ترتيب الأسماء أبجديًا .. وقد كانت هذه هي المرة الأولى لإبنة الخمس سنوات .. والتي ستقفْ أمام معلمتها .. كي تجاوبْ على سؤالاً شفهيًا ..
ولكون اسمي يبدأ بحرف النون .. فإنني سوف أتقدمْ لذلك الإختبار الشفوي في آخر الوقت .. وقد أخذ التعبْ من أستاذتي كل مأخذ .. وهذا ماحدث بالفعلْ .. فقد نادتْ الأستاذة على اسمي .. وبالتالي وقفتُ أمامها بكل براءة .. أنتظرْ سؤالها .. نعم وقفت أمام الأستاذة بكل هدوء .. وسألتني سؤالاً لازلت أتذكرهُ حتى هذه اللحظة .. وهو هل تضعي الأبرة في فمك ؟ .. ولكم أن تتخيلوا إجابة طفلة صغيرة .. تشاهدْ أمها تمارس الخياطة يوميًا .. وترقُبها وهي تشتغلْ بإعمال الأبرة والتطريز .. وكيف تضعُ الخيط في ثقبْ الابرة .. حتى تكملْ تطريز قطعتها الجميلة .. ولربما رأتها ذات مرة .. تضعْ الأبرة في الفم .. حتى تنضمْ الخيط في ثقبْ الأبرة .. لذا كانت إجابتي "نعم" ..
نعم .. لقد جاوبتُ " نعم" .. لكوني قد أكونْ شاهدت ذلك في يومٍ ما .. واعتقدت أنه هو التصرف الذي تعمله كل أم .. وبالتالي لم أجدهُ غير مقبول ؟؟ .. لكن أجابتي تلكْ .. لم تجدُها الأستاذة صحيحة للأسف .. وقررتْ أن تجعلني أحمل المادة .. لإختبارات الدور الثاني ..
قضيتُ إجازة صيفية سعيدة .. غير مُبالية بما أخفقتُ فيه من اختبارات الدور الأول .. ولكن أمي بالتأكيد .. كانت تحملْ ذلك الهمَ عني .. حتى حانتْ مواعيد اختبارات الدور الثاني .. وفي يوم اختبار مادة " العلوم والصحة " .. ذهبتُ للمدرسة مع أمي .. كي يتمْ تقييم مهارتي في تلك المادة .. وبالتالي يتمْ نقلي إلى الصف الثاني .. أو أنْ أُعيدْ دراسة سنة أولى .. وحين وقفت أمام الأستاذة في تلك الساحة الفسيحة .. وقد جلست أستاذتي على كرسيها .. وأمامها حديقةٌ كبيرة في ذلك اليوم الجميل .. وأمي تنتظر بعيدًا عنًا .. لم توجه لي الأستاذة سؤالاً محددًا في المادة ذاتها .. ولكنها قالت لي بكل برود .. هناك صرصار تحت قدميك .. وكانت ردة فعلي أكثر برودًا من سؤالها .. حيث أنني لم أخفْ ولم أجزعْ .. بل نظرتُ تحتْ .. إلى موضع قدمي بكل ثقة وهدوء .. ولم أصرخْ أو أهربْ من مكاني .. وبالتالي قيمت الأستاذةُ تصرفي ذاك .. بإنه شجاعٌ وبريء .. وعندها رصدتْ لي درجة النجاح في المادة .. وتم نقلي للسنة الثانية .. بكل بساطة ..
كل ما حدثْ من تقييم لتحصيل المادة العلمية .. لطالبة في عمر الخمسْ سنوات .. كان يتمْ ببساطة وسلاسة .. وحبٌ وترغيبْ .. كي لا ينفرنَ الطالبات الصغيرات من المدرسة .. وتشجيعًا للأهالي لإستكمال دراسة بناتُهن في المدارس الحكومية .. والأهمْ والأجملْ من ذلك كله .. أنني لحقتْ بزميلاتي في الصف الثاني .. في مدرستي الإبتدائية الخامسة بالرويس ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق