3/25/2021

مع دفاتري .. في الرئاسة

 مع دفاتري .. في الرئاسة 



لم يكن ذهابنا أنا وأختي عند أبلة أمينة لنتعلم من غرض التسلية فقط .. بل كان مشوارًا يوميًا مفيدًا .. حيث كنا عندها نتعلم مهارات القراءة والكتابة مع الصغيرات .. وبعد مرور عام أو أكثر على هذا الحال .. وحين بدأ التعليم الحكومي للبنات .. أخذ أبي كل الأوراق اللازمة لتسجيلنا أنا وأختي في مدارس الحكومة .. وكنا ننتظر عودته على أحر من الجمر .. وحين عاد بشرنا بقبول أختي وأنه قد تم تسجيلها رسميًا .. أما أنا فقد تعذر قبولي .. وذلك لعدم بلوغي للسن المسموح به لدخول المدرسة .. عندما سمعت ذلك أخذت أبكي بشدة .. ولم أتناول حينها طعام الغداء .. وقضيت بعدها يومًا آخر وأنا في غاية الحزن .. حين غادرت أختي البيت ذاهبة إلى مدرستها ..



لقد كان يومي تعيسًا .. فأنا رفيقة أختي في مشوارنا اليومي لمنزل أبله أمينة .. فكيف لا أرافقها الآن في مشوارها المدرسي الجديد .. أخذت أبكي كثيرًا .. حين رأيت أبي يذهب بأختي إلى المدرسة .. حينها رأف بحالي أبي وكذلك أمي .. والتي بادرت أبي بطلبها .. أن يذهب بي في صباح اليوم التالي للرئاسة العامة لتعليم البنات .. وأن يقنعهم بقدرتي على القراءة والكتابة .. رغم صغر سني وغير المقبول حسب الشروط المسموحة لقبول الطالبات ..



أنتظرت ذلك الصباح حتى بزغ فجره وطلَ نوره .. وإذا بي متحمسةٌ للذهاب مع أختي إلى المدرسة الإبتدائية الخامسة في يومها الثاني لها .. نعم رافقتهم وأنا مرتدية فستاني الملون .. وبرفقتي دفاتري .. وأذكر أن عدد صفحاتها كان عشرين ورقة .. وكنا نطلق عليه حينها دفتر أبو عشرين .. أولها كانت به صفحات مكتوبة بخط يدي الصغيرة من كلمات متعددة مثل زرع .. كتب .. قرأ .. حفظ .. وهكذا .. أما الآخر فيحوي أرقام عددية مرتبة .. نعم رافقتُ أبي فرحة مبتهجة .. ومعي أملي بأن يقبلوا دخولي للمدرسة .. وألحق بأختي في مدرستها الحكومية ..



ذهب أبي أولاً للمدرسة الإبتدائية الخامسة .. وأنزل أختي فيها مودعًا لها بكل حب .. حيث قبلت في الصف الثاني مباشرة .. وذلك لمهارتها التي اكتسبتها في دروس أبلة أمينة .. ثم ذهبنا سويةً أنا ووالدي إلى مكاتب الرئاسة العامة .. وهناك استقبلوا أبي بكل ترحاب .. وقدموا له كأسًا مذهبًا تحته طبقٌ مثله .. وبه شاهي تفوح رائحته .. وقفت بجانب أبي وفي يدي دفاتري الصغيرة .. وبدأ أبي يوضح للموظف .. كيف أني أزعجتهم بالبكاء .. لكوني لم أسجل في المدرسة مع أختي .. وذلك فقط لعدم بلوغي سن القبول في المدرسة .. كما أوضح أبي لهم بأنني رغم صغري .. فإني أجيد القراءة والكتابة .. وأني قد أحضرت معي دفاتري .. دليل شهادة على مهارتي .. وصدق كلامي فيما أقول ..



عندها طلب مني الموظف أن أقترب منه .. وأصبحت أقف بينه وبين والدي .. وطلب مني فتح دفتر القراءة والكتابة .. كما طلب أن أقرأ بعض الكلمات .. ثم طلب الدفتر الآخر .. كي يتأكد من مهارتي في الأرقام وكيفية حسابها .. عندها بادر سريعًا بالقول " الحين تروح المدرسة " .. وفعلاً كتب خطابه لإدارة المدرسة .. سلمه لأبي .. لإتمام إجراءات تسجيلي فيها .. وأنا دون السن المطلوبة للقبول .. حملني والدي فرحًا بي وفرحًا لي .. وذهب بي مباشرة إلى مدرسة أختي .. كي ألحق بها بعدها بيوم واحد فقط .. وأنا فرحةٌ ومسرورةٌ للغاية .. وذلك كي نكمل مسيرة دراستنا ورفقتنا معًا ولله الحمد .. رحم الله أمي وأبي وجزاهما عنَا خير الجزاء ..




هناك تعليقان (2):

  1. ما شاء الله مذكرات رائعه اظهرت انك اديبة اضافة الى مواهبك الاخرى العديده بارك الله فيك ونفع بك وبعلمك اسعدتيني بتواصلك ناجيه الحبيبة

    ردحذف
  2. مروركم الأروع .. وقراءاتكم لومضاتي هي قمة سعادتي .. دمتم متواصلين دومًا بإذن الله

    ردحذف

ومضات .. تؤرخ مسيرة !!

  ومضات .. تؤرخ مسيرة !!     حين كانت ساعة ذلك القرار .. القرار الذي اتخذته عن اقتناع .. والذي قد يكون تفاجأ به الجميع من الزميلات .. ألا وه...