أبلة أمينة .. اسم له أثر
بعد قضاء مدة لا بأس بها في بيتنا بحي الرويس .. تحسنت الحال مع أبي قليلاً .. واستطاع أن يُقنع صاحب البيت الذي نسكنه أن يشتريه منه بالتقسيط الممل .. وقام على الفور بعمل إضافات بسيطة لتحسينه قدر المستطاع .. فأصبح لنا بيتٌ متواضع .. بيت به جميع لوازم الحياة الضرورية جدًا .. مع إلتزامه الشهري بدفع تكلفة هذه التحسينات لشخص آخر .. كان بمثابة الصديق الوفي للوالد في ذلك الزمن الصعب ..
كانت أمي .. كما هو أبي .. حريصة كل الحرص في تنشئتنا تنشئة مثالية .. وفي يوم سعيد علمت فيه أمي .. أن هناك سيدة اسمها أبلة أمينة .. تعطي دروسًا للبنات الصغيرات في بيتها .. الذي يعتبر بعيدًا عنا نوعًا ما .. انتظرت أمي بكل لهفة عودة أبي المتعب .. كما هي العادة .. لتخبره بما يدور في بالها .. وتحيّنت الفرصة المناسبة .. لعلها تستطيع نيل موافقته على إنضمام ابنتيها لدروس أبلة أمينة .. وقد رحب يرحمه الله بذلك كثيرًا ..
في صباح اليوم التالي .. ذهبت بنا أمي سيرًا على الأقدام بالطبع .. تحملها آمالها وليست أقدامها .. حتى وصلنا منزل أبلة أمينة .. الذي يبعد كثيرًا عن بيتنا .. فهو يقع في الجهة الأخرى من حي الرويس .. وهناك رأينا بعض الفتيات اللواتي يتعلمن عندها أيضًا مبادئ القراءة والكتابة .. زادت لهفة أمي أكثر .. وتمنت أن نكون بينهن .. لذلك لم تتردد في محادثة أبلة أمينة .. برغبتها في تعليمنا عندها .. فما كان من صاحبة الدار .. إلا أن أجابت بالموافقة على تعليمنا كل ما يلزم .. تشجيعًا منها وحبًا لنشر العلم .. وتعليم كل صغيرات حي الرويس .. على أن نساعدها في بعض أعمال المنزل .. بعد انتهاء الحصص التدريسية .. لكونه لم يكن لدينا مالاً .. ندفعه لها مقابل تعليمها لنا ..
وافقت أمي على ما طلبته منها أبله أمينة .. ورأت أن في ذلك فائدة لبناتها الصغيرات .. كما أنها أحبّت أبلة أمينة كثيرًا .. وذلك عندما رأت حسن تعاملها مع الفتيات الصغيرات .. وعلمت أنها تركت فلذات كبدها في أيدي أمينة .. فكانت هذه الأستاذة لها من اسمها نصيب .. جزاها الله عنا خير الجزاء ..
لكني في الحقيقة .. لم أكن أحب أبلة أمينة كثيرًا .. ليس لشيء .. فقط لكونها كانت منضبطة .. وكنت لا أحب أن تجبرني على تعلم أعمال منزلية .. وأنا في تلك السن الصغيرة .. ولأني كنت أحب اللعب والاستمتاع بوقتي .. أكثر من ذلك كله .. لكنه في الحقيقة .. لقد كان لدور أبلة أمينة البارز في تعليمنا .. أن انضمت أختي للسنة الثانية مباشرة عند بدء التعليم الحكومي .. وكذلك أن أدرج أسمي مع طالبات الصف الأول .. رغم صغر سني .. وذلك لمعرفتي الجيدة في مبادئ القراءة والكتابة .. رحم الله والدتي ووالدي وأبلة أمينة ..
بورك برك أستاذتنا الرائعة ورحم الله آباءنا وأمهاتنا ومعلماتنا وجميع المسلمين ورحمنا إذا صرنا إلى ماصاروا إليه
ردحذف