3/04/2021

رحلة ضد التقاليد

 رحلة ضد التقاليد


 

حينما كانت تقاليد القبيلة وأعرافها تحكم تصرفات أفرادها .. في زمن ماضٍ بعيد .. أعلن أبي رفضه لعُرف القبيلة .. القاضي بعدم النزوح عن مكان إقامتهم .. والعيش معهم متحملاً صلف العيش والحياة القاسية .. نعم رفض أبي الإستمرار مكابداً .. وقرر الرحيل معانداً .. وعن حياة أفضل كان باحثاً .. له ولأسرته الصغيرة المكونة من ابنتيه وزوجته .. أمي الحبيبة .. والتي كانت المساندة له في كل مسيرة حياته ..


في قرار نهائي غادر أبي القرية متجهًا إلى جدة .. حيث كانت الحياة فيها .. أكثر تحضرًا ورفاهية مما هي عليه في القرى .. غادر ولم يكن لديه خطة يسير عليها .. ولا مكان يأوي إليه .. غير أنه يعرف صديقًا له هناك .. كان يصحبه في بعض رحلات الصيد البحرية .. بحثاً عن ما يقتاتون به في أيامهم الصعبة تلك .. وكنت أنا وأختي بصحبة والدتنا الحبيبة .. نرقب رحلة أبي وكل ما يحدث أمامنا .. رغم صغر سننا .. وكي نتجنب المعاناة والجهد الكبير في البحث عن مأوى .. فقد استضافنا صديق والدي لعدة أيام .. حتى أستقر بنا المقام للإقامة في بيت صغير له حوش مسورٌ بسور خشبي .. كان أبي قد استأجره من صاحبه .. في ظل هذه الظروف الصعبة في حي الرويس ..


بدأ والدي يرحمه الله في ذلك الزمان .. ومن اليوم التالي له في مدينة جدة .. في البحث عن عمل .. يقتات منه .. هو وأسرته التي تلاحقه بالنظر .. وفي عيونها يتعلق الأمل .. لقد كان أبي شخصًا أميًا .. لا يجيد القراءة والكتابة .. لكنه يتمتع بشخصية جذابة جميلة .. فهو متحدث لبق ومحاور جيد .. وكان يأمل أن يُكرمه الله ويستطيع أن يحصل على وظيفة .. تكون كافية بإضفاء الستر علينا .. في بيتنا المتواضع جداً جدا ..


وبعد سنوات لا أذكر عددها .. جاءنا يوم غير عادي !! .. في ذلك اليوم .. قدم عمي من القرية ليرى أخوه الصغير في حي الرويس .. بعد أن بحث عنه حتى عرف مكان إقامته .. فرح أبي كثيراً به ..  وفرحنا معه برؤية عمي بعد غياب ليس بالقصير .. لكن لقاءنا به كان أقصر مما نتخيل .. لقد غادر عمي البيت سريعًا غاضبًا .. بعد أن رفض أبي طلب عمي في العودة معه إلى القرية .. وترك مدينة جدة للأبد .. واشتد النقاش بينهما ونحن جميعًا نرقبهم بخوف .. وبعد أن فشل أبي في إقناع عمي بوجهة نظره .. ورغبته في استمرار بقائه بمدينة جدة .. وهجره النهائي لحياته الماضية في القرية .. تجرأ وطلب من عمي أن يأتي أيضًا هو إلى جدة .. كي ينعموا جميعًا بحياة أفضل .. ولقد صدم عمي كثيرًا من طلب والدي .. وخرج من دارنا غاضبًا جدًا .. لعناد والدي في هذا الأمر .. وكنا نحن في تلك اللحظات والنقاش الحاد بين الأخوين .. في حالة ترقب مستمرة .. لما ممكن أن يحدث بينهما جراء هذا الاختلاف الأخوي ..

ولكنها لم تكن إلا سويعات بسيطة .. حتى عاد عمي حانيًا .. واستقبله أبي بلهفة الأخ المحب.. نعم إن كل شيء انتهى بينهم بالأحضان .. والدعاء بأن يكتب الله لهم الخير جميعًا في أي مكان .. وبالفعل بعد هذا اللقاء بسنوات ليست بالقليلة .. انتقل عمي أيضًا يرحمه الله لمدينة جدة .. واجتمع الأخوان فيها من جديد ..





هناك 7 تعليقات:

  1. كمية الحنين والحب واضح في الكلمات.أظن أن لك شخصية مشابهة للوالد يرحمه الله دكتورتي الغالية❤ سردك ممتع دكتورة لدرجة تجعلني أتمنى تطول الكلمات. ننتظر بشغف

    ردحذف
    الردود
    1. الله يسعدكم ويحفظكم .. نعم عشت حياة الكفاح والإصرار منذ الصغر .. ولا زلت عندي طموح كبير لتحقيق المزيد ولله الحمد .. مبسوطة مررره أنه عجبتكم ومضتي لهذا المساء .. دمتِ بخير وسعادة 🍀💐🌺

      حذف
  2. رحمهم الله جميعا💔

    ردحذف
    الردود
    1. نعم الله يرحمهم ويغفر لهم ويجعل مثواهم الجنة .. جزاكم الله خير

      حذف
  3. جزاكم الله خير .. الله يرحمهم ويغفر لهم ويجعل مثواهم الجنة ويجزاهم عنَّا خير الجزاء

    ردحذف
  4. ما اجمل ذكريات حياتنا البسيطة والحميمة العميقة ، أيام جمييييييييلة باقية فوح ذكراها وعبق لحظاتها السعيدة🙏🏼♥️

    ردحذف
  5. لولا ماضينا لم يكن لنا حاضر .. ذكريات الماضي وقود المستقبل .. نحمد الله كثيرًا على مانحن فيه .. الله يرحم أمي وأبي ويجعل الجنة دارهم وقرارهم .. آمين

    ردحذف

ومضات .. تؤرخ مسيرة !!

  ومضات .. تؤرخ مسيرة !!     حين كانت ساعة ذلك القرار .. القرار الذي اتخذته عن اقتناع .. والذي قد يكون تفاجأ به الجميع من الزميلات .. ألا وه...